المشاركات

عرض المشاركات من فبراير, ٢٠٢١

قصة وفاء

  "إني رُزقت حبها" هكذا يعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم... حبِّي لخديجة محض رزقٍ من الله. ندرك كيف يكون الرزق مالاً أو ولداً، أما أن يكون حباً فهذا أمر قد يغيب عن أذهاننا. لقد بلغ من وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها وكثرة ذكره لها، أن غارت منها حبيبة قلبه وأحب الناس إليه، عائشة رضي الله عنها. إذ وجدتها -وهي المتوفاة- ما تزال تمنعها من الاستئثار بقلب محمد صلى الله عليه وسلم خالصاً لها. ولأنها تعرف قدر نفسها عند رسول الله فقد ظنت أنها ستنسيه خديجة وأيامها، لأن الله قد أبدله بها خيراً منها، وصرَّحت بذلك مرةً في فورة غيرتها. وكأني بالرسول النبي والزوج الوفي ينتفض لسماع تلك الكلمات، فينطق بِردٍّ قاطعٍ تلاشت معه كل خيالات الصدِّيقة: "ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها". ويمضي الرسول معدداً أفضالها التي بلَّغتها من قلبه هذا المبلغ، في أيامٍ لم تعرفها عائشة ولم تشهدها: "قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء". حَفظ لها معروفها، وذكر لها إحسانها.

الترحم على الكفار

  إن فكرة الترحم على كافر بحجة احتمال إسلامه قبل موته هي بسخف فكرة الامتناع عن الترحم على مسلم لاحتمال ردته قبل موته! ثم إن شأن الدنيا كله قائم على الأخذ بالظاهر، لم نؤمر بالتنقيب عما خفي من أحوال الناس، وإنما علينا بما عُرف عنهم واشتهر من حالهم.   وحتى لو علمنا من ظاهر الإنسان الكفر، وعلم الله منه صدق الإسلام فلن يضره أن لا يترحم عليه أحد، ولن يضره أن يلعنه كل أحد. لأنه بين يدي من هو أعلم به منا، وأرحم به منا. فكفاكم شفقة باردة، ورأفة زائفة، ورحمة في غير موضعها.   ويا لله ما أعظم حلمه عليكم! قضى الكافرون أعمارهم في إنكارٍ لله أو إشراكٍ به، ونسبوا إليه أقبح الصفات بلسان مقالهم أو حالهم ثم "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً"؟! [17-6-1442]

طول الأمد

تحلُّ بأمتنا مصيبةٌ؛ فنَضجُّ وننتفض، نتألم ونحزن، ندعو ونبذل. ثم يطول علينا الأمد فنألف هذا الوضع، ونلتهي عنه بحياةٍ يُراد فيها عمداً إلهاء الناس بأصناف الترفيه والتفاهات، وإشغالهم عن الهموم الكبرى بهمومهم الشخصية. وإذ بِقضيَّتنا هذه قد زُويت إلى ركنٍ مهجورٍ من ذاكرتنا مع أخواتها اللاتي سبقنها؛ فما عُدنا نهتم بها بل ولا نتذكرها.     {طال عليهم الأمد فقست قلوبهم} لا يعني كون الإلف والنسيان طبيعةً بشريةً أن نستسلم لها ونهز أكتافنا في عجزٍ، ولا يعني بالمقابل أن نلبس السواد أو نغرق أنفسنا في تتبع أخبارٍ لا تزيدنا إلا كآبةً وإحباطاً. إنَّ المُراوحة بين دعوةٍ باللسان، وبذلٍ بالمال، ونُصرةٍ بحسب الطاقة والإمكان، مع تعريفٍ للأجيال بقضايا أمة الإسلام؛ كفيلٌ بألا يُجدبَ قلوبَنا طولُ الأمد، فتصبح كالحجارة أو أشد قسوةً. والله المستعان. [28-6-1442]