وعاء النتانة
هل تتخيل وصفاً لدعوى الجاهلية أصدق من قوله صلى الله عليه وسلم: " إنها منتنة "؟ انظر إلى نفس المفتخر بحسَبه الطاعن في نسب غيره -وكلاهما من دعوى الجاهلية-، تجدها وعاءً تراكمت فيه المواد العفنة من كِبر واحتقار وحسد وبغض وغيرها. تمر عليها الأيام فلا تزيدها إلا فساداً وعفونة، وصاحب الوعاء في غفلة عنها. حتى إذا فتح فمه بحمية الجاهلية، انبعثت الريح النتنة من جوفه مؤذيةً كلَ أحد إلا هو وأمثاله. ومصداق ذلك في أي مقطع أو تغريدة من شأنها أن تثير جدلاً عصبياً؛ انزل إلى التعليقات والردود، وستظنك نزلت إلى خزان صرف صحي لِشدِّ ما تجد من النتانة ! والمسلم الحقُّ وإن جهل أن في وعائه شيئاً من العفن المتخلف من تربية أو بيئة أو غفلة، لكنه حيٌّ يتأذى من نتنه في كلامه ولو كان يسيراً، بل ربما ينزعج من أبخرته في صدره. فيتساءل عن مصدر ذلك النتن ويفتش في نفسه حتى يجده، فيتخلص منه ويشرع في إزالة آثاره وتطهير موضعه. ويظل متعاهداً وعاءه بالتخلية والتحلية حتى يصير زكياً عطراً، لا يتكلم بالكلمة إلا فاح طيبها على من حوله وما حوله. "وكل (وعاء) بالذي فيه ينضح". فلينظر أحدنا أي الوعاءين يحمل،