المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, ٢٠٢١

وعاء النتانة

  هل تتخيل وصفاً لدعوى الجاهلية أصدق من قوله صلى الله عليه وسلم: " إنها منتنة "؟ انظر إلى نفس المفتخر بحسَبه الطاعن في نسب غيره -وكلاهما من دعوى الجاهلية-، تجدها وعاءً تراكمت فيه المواد العفنة من كِبر واحتقار وحسد وبغض وغيرها. تمر عليها الأيام فلا تزيدها إلا فساداً وعفونة، وصاحب الوعاء في غفلة عنها. حتى إذا فتح فمه بحمية الجاهلية، انبعثت الريح النتنة من جوفه مؤذيةً كلَ أحد إلا هو وأمثاله. ومصداق ذلك في أي مقطع أو تغريدة من شأنها أن تثير جدلاً عصبياً؛ انزل إلى التعليقات والردود، وستظنك نزلت إلى خزان صرف صحي لِشدِّ ما تجد من النتانة ! والمسلم الحقُّ وإن جهل أن في وعائه شيئاً من العفن المتخلف من تربية أو بيئة أو غفلة، لكنه حيٌّ يتأذى من نتنه في كلامه ولو كان يسيراً، بل ربما ينزعج من أبخرته في صدره. فيتساءل عن مصدر ذلك النتن ويفتش في نفسه حتى يجده، فيتخلص منه ويشرع في إزالة آثاره وتطهير موضعه. ويظل متعاهداً وعاءه بالتخلية والتحلية حتى يصير زكياً عطراً، لا يتكلم بالكلمة إلا فاح طيبها على من حوله وما حوله. "وكل (وعاء) بالذي فيه ينضح". فلينظر أحدنا أي الوعاءين يحمل،

رحمة ورجاء

  مدخل: قال الله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً}. ----- تنظر في أهل الأرض، فإذا جُلُّهم في كفر وضلال وجهل بالله، وإذا أنت مع قلة قليلة هم أهل الإسلام . ثم تنظر في أهل الإسلام، فإذا معظمهم في شرك وخرافة وبدعة، وإذا أنت مع قلة قليلة جداً هم أهل التوحيد والسُنَّة . ثم تنظر في هؤلاء، فإذا أكثرهم غافلون لاهون متخبطون، وإذا أنت مع قلة قليلة جداً جداً هم أهل الالتزام ؛ يحسنون ويسيئون، يطيعون ويعصون، لكن ذكر الله حاضرٌ في قلوبهم، ويوم الحساب يرونه أمامهم، فيسعون مجتهدين ويُنيبون مستغفرين. ترى هذا الاصطفاء فتحمد الله ثم تحمده ثم تحمده، وتسأله الثبات وهداية كل ضال، وتزيد من الإحسان شكراً على عظيم الإنعام. ترى كل ذلك، وتصبِّر نفسك على الغربة مستأنساً بقول من سبقوك: "الزم طريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغتر لكثرة الهالكين". ----- مخرج: قال أيوب السختياني -رحمه الله-: " ﺇﻥ ﺭﺣﻤﺔ ﻗَﺴَﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﺇﻧﻲ ﻷﺭﺟﻮ ﻣﻦ تسع وتسعين ﺭﺣﻤﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ". وأقول أنا: ﺇﻥ ﺭﺣﻤﺔ ﻗَﺴَﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﺻﺎﺑﻨﻲ ﻣ

المستشير الجهول

  تخيل معي هذا الموقف: يأتيك أحدهم يستشيرك بين أمرين، فتشير عليه بما تراه مناسباً. وإذ به يقول: لكني أُفضِّل الخيار الآخر. تشرح له أسبابك، فيعود ليقول: صحيح لكني أعتقد أن الخيار الآخر هو الأفضل. تنظر إليه متحيراً وتقول -سراً أو جهراً- : لماذا تستشيرني إذاً؟! هل يبدو الموقف مألوفاً؟ للأسف هذه حالنا عندما نستخير في أمر تهواه نفوسنا؛ نَكِل بألسنتنا أمر إتمامه أو عدمه إلى الله، لكن قلوبنا تصرخ: يا رب أريده أريده! واحزروا ماذا نفعل إن اختار الله لنا غير ما أردنا؟ نتحسر ونحزن وربما نغضب. لماذا نستخير إذاً؟! إن كنا نريد اختيارنا ولا نرضى باختيار الله فلماذا نستخيره؟! إن حقيقة الاستخارة أن نبذل الجهد في اختيار ما يظهر لنا -بعلمنا المحدود ونظرنا القاصر- أنه الخير، ونمضي فيه. ثم نفوض الأمر تفويضاً تاماً إلى من علم مبتداه ومنتهاه، فييسره أو يصرفه بما هو -يقيناً- خير لنا. فلنحسن الأدب مع ربنا، ولا نكن مثل ذلك المستشير. [15-9-1442]

الجمرة

   تنتقل بينهم كالجمرة...ما إن تقع بين يدي أحدهم حتى يقذفها إلى غيره، دون أن يفكر أي منهم بإلقائها أرضاً وإطفائها. إن تعجب من فعلهم، فهذا حالهم مع الأخبار في المجالس ووسائل التواصل! تراهم كما وصف الله المنافقين {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به}. لا يعرفون قائل الخبر، فضلاً عن أن يعرفوا حاله وصدقه. ومصدرهم في كل ذلك <يقولون>! آهٍ لو رآكم المُحدِّثون! أما وصلكم قوله ﷺ: "كفى بالمرء إثماً أن يحدِّث بكل ما سمع"؟! فاستكثروا مما تنقلون إن شئتم؛ فإنما تطيلون وقوفكم يوم الحساب. وإن شئتم، كنتم كما قال الحسن البصري: "المؤمن وَقَّاف حتى يتبين" ؛ فسلِم دينكم، وهدأت نفوسكم، وانطفأت عندكم الجمرات . [6-10-1442]