قصة وفاء

 "إني رُزقت حبها" هكذا يعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم... حبِّي لخديجة محض رزقٍ من الله. ندرك كيف يكون الرزق مالاً أو ولداً، أما أن يكون حباً فهذا أمر قد يغيب عن أذهاننا.

لقد بلغ من وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها وكثرة ذكره لها، أن غارت منها حبيبة قلبه وأحب الناس إليه، عائشة رضي الله عنها. إذ وجدتها -وهي المتوفاة- ما تزال تمنعها من الاستئثار بقلب محمد صلى الله عليه وسلم خالصاً لها. ولأنها تعرف قدر نفسها عند رسول الله فقد ظنت أنها ستنسيه خديجة وأيامها، لأن الله قد أبدله بها خيراً منها، وصرَّحت بذلك مرةً في فورة غيرتها. وكأني بالرسول النبي والزوج الوفي ينتفض لسماع تلك الكلمات، فينطق بِردٍّ قاطعٍ تلاشت معه كل خيالات الصدِّيقة: "ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها".

ويمضي الرسول معدداً أفضالها التي بلَّغتها من قلبه هذا المبلغ، في أيامٍ لم تعرفها عائشة ولم تشهدها: "قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء". حَفظ لها معروفها، وذكر لها إحسانها... قليلون هم الذين يظلون أوفياء لأولئك الذين ساندوهم في بداية الطريق.

ماتت خديجة منذ زمن، لكنه يحيي ذكرها ويخلِّد مكانتها: "خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة". يتذكرها في صوتٍ يسمعه... يوم تستأذن عليه امرأةٌ فإذا الصوت صوت خديجة، وإذا هي هالة أختها. يتذكرها في قلادةٍ يراها... قلادتها التي بعثت بها ابنتهما فداءً لزوجها، فيَرقُّ لمرآها رقةً شديدةً كادت تُسيل دموعه.

ويبلغ من عظيم هذا الحب أن لا يسعه شخص خديجة وحده، بل تفيض بركته على من أحببنها وأحبتهن. فيذكر صلى الله عليه وسلم صديقاتها ويرسل إليهن بالعطايا: "اذهبوا بِه إلى فلانة، فإنها كانت صديقةً لخديجة، اذهبوا بِه إلى بيت فلانة، فإنها كانت تحب خديجة". قصة الوفاء الخالدة تلك يختصرها خير الأزواج صلى الله عليه وسلم في جملةٍ واحدةٍ: "إن حسن العهد من الإيمان".


[3-4-1442]
(شاركت به في مسابقة "السبيل" في الكتابة الأدبية عن الرسول صلى الله عليه وسلم)

تعليقات

إرسال تعليق