معيارية الذات


- "أنت متشدد!"
- "بل أنت المتساهل! أنا معتدل"
---

هل سمعت بـمعيارية الذات؟
أن يضع المرء ذاتَه معياراً يصنف على أساسه الناس.
من كان مثله في العمل فهو الوسطي المعتدل، أما من عمل أكثر منه فهو المتشدد، ومن عمل أقل منه فهو المتساهل!

أبرز تجليات هذه المعيارية المغلوطة هي في الجانب الديني، لكنها ليست حصراً عليه...
-أتذكُر أيام كورونا؟ هل حصل أن اعتبرك بعضهم متساهلاً في اتباع الاحترازات وفي نفس الوقت كان آخرون يرونك "موسوساً"؟!
-أب يعاقب ابنه بطريقة ما، فيعلق أحدهم: ما هذه القسوة! ويعلق الآخر: ما هذا الدلع!.
مع معيارية الذات كلٌ يرى نفسه معيار الصواب، أما غيره فإما مفْرِط أومفَرِّط.

لن أقول "لا للتصنيف"، لأني أظنها دعوى خيالية،
التصنيف حاصل حاصل، لكن بمعيار من؟


المعيار كما في تعريفه "نموذج متحقَّق أو متصوَّر لما ينبغي أن يكون عليه الشيء".
نعرض الأعمال على هذا النموذج، فما وافقه كان الاعتدال المحمود، وما خالفه زيادة أو نقصاً كان انحرافاً إلى أحد الطرفين المذمومين.
فمن الذي يحدد هذا النموذج؟
طبعاً ليس فهمي أنا ولا هواك أنت ولا إحساسه هو، وإلا كانت لدينا معايير بعدد البشر!

المعيار تحدده جهة يصح التحاكم إليها، موثوقة عالمة خبيرة. إن كانت سماوية فهي حق مطلق لا خطأ فيه، وإن كانت بشرية فهي اجتهادات يقويها أنها ناتجة عن علم وبحث وتشاور، لا عن عقول وأهواء فردية. 
مثلاً معيار الاعتدال الديني يحدده القرآن والسنة بفهم السلف والعلماء المعتبَرين.
والاعتدال الصحي تحدده الجهات الصحية والأطباء الثقات.
والاعتدال التربوي يحدده الخبراء التربويون... وهكذا في بقية الجوانب.
---
 
إذاً المرة المقبلة التي يأتيك فيها أحدهم ليقول: ألا ترى أنك تتشدد في هذه النقطة؟! لماذا أنت متساهل في هذا؟! وقبل أن تبدأ بسرد دوافعك، بادره بالسؤال: بمعيار من؟ أعطني جواباً ليس فيه أحس أو أرى أو أعتقد، وعندها يمكننا أن نتناقش.
[24-11-1444]

تعليقات