10 وقفات مع صحابية زنت (من وحي قصيدة "وهج التوبة")

قصتها من الحديث (في روايتين)

قصتها في قصيدة مُلحَّنة


قرأت قصة المرأة الغامدية/الجهنية كثيراً من قبل، فلم تخطر التأملات ببالي حتى استمعت إلى قصيدة "وهج التوبة". فجزى الله الشاعر والمنشد خيراً.
· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 
· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 

واستجمعَتْ تفضح الأسرار في أسف 
لعلها في مقام العرض تَستتر

بيَّنتِ حُكماً وكنتِ للتقى مثلاً
وفاز بالصُّحبة الغراء مبتدر


تأمل أنه كان يمكنها أن تتوب إلى الله من فعلها وتستر على نفسها، فلا ترفع أمرها إلى الرسول ولا يقام عليها الحد، وهذا هو المطلوب ممن وقع في هذه الكبيرة -نسأل الله العافية-. ولو كان هذا لكانت كغيرها من الصحابيات المجهولات.
لكن لعل الله مما علمه من صدقها، أراد أن يرفع شأنها ويبقي ذكرها في الآخِرين، ويزيدها إلى حسناتها حسناتٍ بكل من سمع قصتها فأخذ منها فائدة أو حُكماً. ويظل المسلمون إلى يوم القيامة يذكرونها فيترضَّون عليها.
 
 · · ─────── ·𖥸· ─────── · ·
دعني أجود بنفس لا قرار لها
فالنفس مذ ذاك لا تنفك تَحتضر
حرارة الذنب في الوجدان لاعجة
إني إلى الله جئت اليوم أعتذر
 
سبحان الله كيف أفضت لذة دقائق إلى عذابات أيام وسنين! وهذا من شؤم المعصية؛ تذهب لذتها ويبقى ألمها وعقوبتها. وأحسبها كانت كما قال الشاعر: "تكاد لولا عُرى الإيمان تنتحر".
 
  · · ─────── ·𖥸· ─────── · · 
ما أودعت سجن سجانٍ وكافلها
تقوى الإله فلا سوط ولا أَسر

في الوقت الذي يُقيَّد فيه البعض ويسجنون كي لا يهربوا، يكفي المؤمن المتقي لله استشعاره مراقبة الله له. من يتقي الله حق تقاته لن يحتاج شرطياً ولا كاميرا، لن يحتاج إلا إلى علمِ يقينٍ بأن الله مطلعٌ عليه وشاهد.
 
· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 
غذِّي الوليد إلى سن الفطام فقد
جرت له بالحقوق الآي والسور

كان من الطبيعي في ذلك الزمن استئجار المرضعات، فيُرسَل الطفل إليها ويبقى عندها ترضعه وتهتم به. فإذا تفهَّمنا أمرها بالانتظار حتى الولادة كيلا يُقتل ابنها بقتلها، فأمرها بإرضاعه حتى فطامه مع وجود البديل، لا يُفهم منه إلا حكمة أرادها الله أو أرادها نبيه، ولو لم تتضح لنا.
وربما كانت إطالة مدة بلائها لتبلغ الدرجة التي كتبها لها الله، كما
قال : "إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل؛ ابتلاه الله في جسده أو ماله أو في ولده، ثم صبر على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل".
 
· · ─────── ·𖥸· ─────── · ·  
 فاسترجعت ولها آهات مُحتسب
بمهجة غيَّرت وجدانها الغِيَر

نقطة مرتبطة بسابقتها، هي تسليمها التام لأمر الرسول ﷺ بإرضاع طفلها، وعدم مجادلتها أو اقتراح البدائل، مع شدة عذابها الداخلي وحرقتها للتطهر من الذنب.

· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 
ومر عام وفي إصرارها جَلَد
ومر عام فلا ضعف ولا خَوَر

لا نظننَّ أنه خلال تلك المدة التي زادت عن السنتين، كان الشيطان يجلس متفرجاً عليها. أحدنا يتكلم بكلمة أو يتخذ قراراً، فلا يأتيه الغد إلا وقد ندم على فعله أو أحس بتسرعه.
فتخيلوا تلك الصحابية وعدد المعارك التي خاضتها مع الشيطان ومع نفسها كل تلك المدة، خصوصاً بعد أن أنجبت وليدها وعاشت معه زمناً. ومع هذا تنتصر في كل مرة، ويثبتها الله حتى آخر لحظة!

· · ─────── ·𖥸· ─────── · ·  
الله أكبر والأذكار سلوتها
والبَرُّ يشهد والإخبات والسَّحر

إن غرَّها طائف الشيطان في زمن
فلم تزل بعدها تعلو وتنتصر

ورُبَّ ذنب دعا لله صاحبه
إن أخلص العزم أو إن صَحَّت الفِطَر

تخيلوا كمَّ العبادات التي قامت بها في تلك السنوات التي أعقبت معصيتها، وتخيلوا تقربها إلى الله واجتهادها في تكفير ذنبها وإرضاء خالقها.
لتكن مَثلاً لنا جميعاً، إن زللنا فليست النهاية. قال بعض السلف: "إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة،... قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الخطيئة لا تزال نصب عينيه، كلما ذكرها بكى وندم وتاب واستغفر وتضرّع وأناب إلى الله وذلّ له وانكسر وعمل لها أعمالاً، فتكون سبب الرحمة في حقه".

· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 
وأقبلت يا رسول الله ذا أجلي
طال العناء وكسري ليس ينجبر

امرأة غيرها كانت ستنتظر حتى يبعث رسول الله من يأمرها بالقدوم إليه، وربما منَّت نفسها أن ينسى رسول الله أمرها، أو ينشغل عنها فتطول حياتها. لكن ليس هذه الصحابية الجليلة التي كانت هي من تبادر بالقدوم إلى رسول الله ﷺ في كل مرة يأتي فيها الأجل المتفق عليه!
 
· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 
 الحُكم لله فرد لا شريك له
ما أنزل الله لا ما أحدث البشر
وفي الحدود نقاء النفس من لَمَمٍ
وفي الحدود حياة الناس فاعتبروا
وشذَّرتها شظى الأحجار فالتجأت
وفي تألمها عتق ومُطَّهر

خطر ببالي أولئك الناقمون على إقامة الحدود، ومن يرونها انتهاكاً لحقوق الإنسان.
ووالله لقد تجلت لي رحمات الله وألطافه من وراء تشريع هذه الحدود. فحتى الجاني نفسه رغم تألمه لتنفيذها، تكون هذه الحدود كفارة له وتطهيراً لذنبه، ورحمة من الله به أن عجَّل له العذاب في الدنيا فلا يعذبه بذنبه هذا في الآخرة، ولعذاب الآخرة أشد. نسأل الله السلامة والعافية.
 
· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 
وجنة الخلد تجلو كل بائسة
يحلو إليها الضنى والجوع والسهر
 
كل العذاب النفسي الذي مرت به ما بين ارتكابها للذنب إلى قرار عينها بتنفيذه، ثم العذاب الجسدي بالرجم بالحجارة حتى الموت -نسأل الله العافية-، كل هذا سيزول بأول غمسة في الجنة، فكأنما لم ترَ بؤساً قط. فيا الله ما ألطفك بعبادك!
 
· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 
· · ─────── ·𖥸· ─────── · · 

وأخيراً، أخطأ في الصحابة فريقان، فريق يرفعهم فوق قَدرهم ويُلبسهم العصمة، ومثل هذه القصة تردُّ عليهم. وفريق يحطُّهم عن منزلتهم التي أنزلهم الله ورسوله إياها، ويتخذ من أمثال هذه القصص مَطعناً فيهم، بل ربما رأى نفسه أفضل ممن ارتكب الكبائر منهم، وهذا جهل وغرور، وفي مقالة "وعل جاهل مغرور" مزيد حديث عن هؤلاء.

ثم إن الشأن ليس في مجرد الذنب، بل في ما يعقبه، وفي حال قلب صاحبه. فرُبَّ مرتكب كبيرة يكون أقرب إلى الله وأحب إليه، من مطيع معجب بعمله محتقر للناس. فهذه الصحابية التي زنت، شهد لها من لا ينطق عن الهوى بأنها "تابت توبة، لو قُسِّمت بين سبعين من أهل المدينة لوَسعتهم". وذاك الصحابي الذي أقيم عليه حد شرب الخمر مراراً، شهد له المعصوم أنه "يحب الله ورسوله".


فاللهم زدنا حباً وإجلالاً لصحابة رسولك، وارزقنا الاقتداء بهم، واحشرنا في زمرتهم، واجمعنا وإياهم إلى جوار نبيك في جنة الخلد.

[٢١-٥-١٤٤٥]

 
 
 

تعليقات